الثلاثاء، 16 فبراير 2010

خُذني إليك . فأنتَ الوطنُ و المنفى


(1)
عرقٌ كأنهُ فرس هائج .
رشفةٌ من عصير البرتقال الطازج .
و فكرة .

شغفٌ دائم لأدبه الذي يأخذني للبعيد , قراءاتي لهُ كانت تقتصرُ على ما أجود بهِ على نفسي من عالم الشبكة العنكبوتيّة .
واسيني الأعرج شعرتُ و أنا أتحسس " شرفات بحر الشمال " بأن بها شيئاً سيدفعني للجنوُن .
جدّي يردد دائماً بشكلٍ عشوائيّ , لم يفقدِ الكتابُ قيمته بعد , و لم يعلم بأن جملتهُ تلك نخرت ذاكرتي حتى بتّ أؤمن بها و أرددها عن ظهر قلب .

(2)
نعيشُ حالة حب لا نُشفى منها أبداً , نمضي بخطواتٍ ثقيلة نحو أطراف البحر العاري محمَلين بكثيرٍ من الألم و الأمل
لعلّ من مارسنا معهُ الحُب لليلة واحدة فقط و غادر قبيل أن نروي عطشنا المُتدفق كشلالٍ ثائر يُطلّ علينا من على أرصفةِ المدينة التي شيّدنا ناطحاتِ سحابها و أبنيتها و بيوتها من نسجِ خيالنا
لعلّنا نرى انعكاسات أجسادهم في ليلةٍ ظلماء على أمواج البحر قبل أن تثور ثائرته .
الأعرج أيقظ بداخلي حنيناً لمدينةٍ نحتُّ معالمها بدآخلي , لم أكمل معالمها لكنّّها استوطنت فيّ
أتلمس صدري عساي أن أجدَ مدينتي الرقيقة المنسيّة منذ الأزل . و أجدها كطفلٍ مملوء بالشهوة لامرأة تكبرهُ سناً و جرحاً و وطناً
و ياليته يعلم ماهيَ الشهوة .

(3)
و أنا في حالةِ انغماسٍ تام بين أبجدياتِه و أجهدُ خيالي كي أشعر بأنني جزءٌ من روايته - إذ بناقوسِ الخطر يدقُ للمرة الأولى منذ أن فُتِح غلاف الرواية
" الحب عندما يتضاءل بين شخصين يحتاج إلى شيئين حادين , إما هزة عنيفة تعيد له وهجه الكبيرأو إلى بتر شجاع للعلاقة يقبل فيها الطرف الأكثر حساسية التنحي من المشهد و تحمل القدر الأكبر من الخسارة "

نفتقدُ لجميع الهزّات , ضعيفةً كانت أم متوسطة أم عنيفة , نحنُ لا نؤمن بالعودة أبداً إلى المنفى
و الحُب منفى بعد أن يتضاءل بين شخصين . و إن كنّا نحمل قدراً بسيطاً جداً من اليقين بالعودة فنحنُ نحمل قدراً أكبر من بقايا التعري و الجرح النازف و أقنعةِ الحبيب في حالة يأس .
لذلك نحنُ لا نُشفى من حالةِ حب أبداً .

(4)
يأسرني أن أبعثَ ب " شرفات بحر الشمال " إلى عشيقٍ يسكن أقاصي الأرض و ليست أرضي ولا أرضكم ولا أرضهم !
أُغرِق الغلاف المُزين بامرأةٍ تحملُ ملامحَ المغرب العربي بعطري المُفضل , و أدسّ بين صفحاتها أفضل جوريّاتي الجافة
أضعُ علامةً لدى أفضل الأجزاء التي قادتني للهَبل و كأنها عشوائية و غير مقصودة من عشيقتهِ المجهولة .
أبعثُ معها " كتكات " فأنا لديّ إيمانُ أعمى لا يتسلل الضوء من بين شروخاته التي تُرى بالعين المُجردة
أن اقتران مانُحبهُ مع شيءٍ لا يعني لنا الكثير سيكسبهُ بطريقةٍ أو بأخرى عشقاً متقداً لا ينطفئ .
لذلك كلما أردتُ أن أحب شيئاً جبراً فأنا أنثرُ كل ما أحِب حولي و أبدأ في عملية الحُب رغماً عني .
يرتسمُ في مخيّلتي بريق عينيه حينَ يستلمُها من بريد " فيديكس " , يُفاجئ برائحتي تتدفق بين يديه ف يبحثُ عني كطفلٍ في الرابعة أضاع والدتهُ في زحامٍ شديد
يرفعُ كفه بشكلٍ لا شعوريّ فتخترق الرائحة ذاكرته التي هشمها الاشتياق لوطن لم تُرسم حدوده على خارطةِ العالم
يرفعُ الروايةَ إلى أنفهِ و يستنشقها و كأنهُ ابتلع الرائحةَ ابتلاعاً و لم يستنشقها !
تسقطُ جوريّتي المُجففة و كأنها تتعمدُ ذلك , تُخرجهُ من دائرة الهذيان التي دخلها رغماً عنه بسبب العطر الفرنسي , و أنا
يحملها و كأنهُ يحملُ أنثى في أبهى حلّتها , ينظرُ إليها بعين المُشتاق و يعيدها من حيثُ سقطت
في ذلك الحين يرى الجُزء الأوحد الذي قادني للهبل بشكلٍ غير مقصود , تورّدت شفتاه قبل أن يتورد خدّاه
تمتم في صدرهِ و أنا كذلك يُعجبني هذا النص يا شقيّه , و رحل .


. . . في لحظةِ هبلٍ فقط تمنيّت رجلاً يهمس لي نامي فأنتي مُرهقة , و أردد لهُ كما قال ياسين
لنا كُل الموتِ لـ ننام .



هذا النص مِن و إلى الفراغ .
أوحى لي بهِ واسيني الأعرج , و كأنهُ قادني للهبل , المدينة التي لم يعُد باستطاعتها تحمّل عبءِ أبناءها , و المنفى الذي احتضنَ قبوراً لأشخاص على البحر المنسيّ , و الهروُب من النسيان إلى النسيان .

لعلّ رجُلي الأسطوُري الذي لم أرسم ملامحهُ جيّداً في مخيّلتي يقرأهُ يوماً .

الأحد، 7 فبراير 2010

اسقني يا سيّدي * إحباط


إحباط *

- إحباط أن تستنشقَ أنفاساً لن تملكها يوماً .
- إحباط أن تشعُر بالبكاء و كأنه شيءٌ ملموس بين السبابةِ و الإبهام ولا تملكُ القدرة على التصرفِ به .
- إحباط أن تصرخ دوآخلك لشخصٍ ما لكنّه لم و لن يجيب .
- أحباط أن أكون بحاجة الهذياَن له لكن إنكسر شيءٌ ما و لن يعوُد .
- إحباط أن يسألني في بعض الأوقات هل تشكين وجعاً , و أكذب و أعاود الكذب مراراً و حينَ أودُ الحديث أجدُ أنني أفقتُ في الوقت الضائع .
- إحباط أن أراني في المرآةِ آلاف المرات و أنا أعلم بأنني أصبحتُ أكثر نحولاً و أكثر بكثير اصفراراً .
- إحباط أن أرى عيناي تخذلني و تُخبر الجميع بالحرب التي تطحنُ بداخلي .
- إحباط أن أرى عيناي تتلألأ , و حنجرتي تختنق , و كفاي ترتجفآن و أنا أستسلمُ لهم .
- إحباط أن أستنجدَ بالأدب , الأبجديات , الكلمات و جميعها تخذلني ولا تخفف ما بي .